Thesis
2014
حماية الفرق والاعيان الطبية اثناء النزاعات المسلحة
2014-06-30
من المعلوم أنه عندما تنشب النزاعات المسلحة، يقع الكثير من الضحايا – بين قتيل وجريح ومريض – وتُدمر العديد من المباني والمنشآت، وغير ذلك من صور وأشكال المعاناة الإنسانية، التي تنجم عن شرور النزاعات المسلحة. في هذا يملي الضمير الإنساني ومبادئ الأخلاق بضرورة مساعدة الأشخاص الذين يقعون ضحايا للنزاعات المسلحة أو يعانون من ويلاتها، وفي مقدمة أولئك الأشخاص الذين يلبون النداء الإنساني، ويقدمون المساعدة للمرضى والجرحى والغرقى، هم أفراد الفرق الطبية الذين يجازفون ويخاطرون بحياتهم في سبيل تقديم العون لمن يحتاج. ولأهمية هؤلاء الأشخاص وأهمية معداتهم والمنشآت التي يستخدمونها لغرض أداء مهامهم الإنسانية، فقد أولى القانون الدولي الإنساني، منذ بدايات ظهور قواعده، الاهتمام بهؤلاء الأشخاص ومعداتهم؛ فأوجب توفير الرعاية لهم وحمايتهم من آثار النزاعات المسلحة، وتقديم التسهيلات إليهم بما يمكنهم من القيام بعملهم على أكمل وجه.
إن اهتمام المجتمع الدولي بأفراد الفرق الطبية وأعيانهم قد ترجم، منذ زمن هنري دونان إلى صكوك دولية ملزمة تمت مراجعتها وتنقيحها مرات عدة، من أجل تحسين الحماية التي يتمتع بها هؤلاء الأفراد والأعيان. لقد أثبتت التجربة أن أية قواعد للحماية لكي تكون ناجعة وفعالة لا بد أن تواكب التطورات، التي لطالما تطرأ سريعاً على أساليب ووسائل القتال، وبهذا نجد أنه بعد اثنتان وأربعين سنة من إبرام أول اتفاقية للقانون الدولي الإنساني، أي في سنة 1864، تمت مراجعة هذه الاتفاقية واستبدالها بأخرى أكثر تفصيلاً وتوفيراً للحماية. وبعد ثلاث وعشرون سنة من إبرام اتفاقية 1906، استبدلت هذه الاتفاقية في سنة 1929 بأخرى عدّت، في وقتها أكثر ملائمة لظروف النزاعات المسلحة دائمة التغيير. وبعد الحرب العالمية الثانية وما شهدته من مآسي، أدرك المجتمع الدولي نقص اتفاقية سنة 1929 فقام في سنة 1949 بتطويرها من خلال استبدالها باتفاقية أخرى اكثر استجابة للظروف المتغيرة للنزاعات المسلحة، وهذه الاتفاقية الجديدة هي اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان التي أبرمت بالتزامن مع إبرام ثلاث اتفاقيات أخرى. ولم تتضمن واحدة من هذه الاتفاقيات الأربع ونعني بذلك اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب قواعد مفصلة أو شاملة إلى حد تمنح الحماية لإفراد الفرق الطبية والأعيان الطبية، إذ لم تحتوي سوى على حكم يقضي بوجوب احترام وحماية الموظفين المخصصين كلية، بصورة منتظمة لتشغيل وإدارة المستشفيات المدنية، بمن فيهم الأشخاص المكلفون بالبحث عن الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس وجمعهم ونقلهم ومعالجتهم. ولهذا، ولتدارك هذا النقص، دأب التقنين الإضافي الأول لسنة 1977 على مّد وتوسيع قواعد حماية أفراد الفرق الطبية، لتشمل كذلك أفراد الخدمات الطبية من المدنيين، بعد أن كانت هذه القواعد تقتصر على أفراد الخدمات الطبية من العسكريين بالدرجة الأساس. وتوسعت الحماية بموجب البروتوكول الإضافي الأول لتشمل الأعيان الطبية المدنية ووسائط النقل الطبي المدنية. وهكذا لم تقف التطورات التي طرأت على اتفاقيات القانون الدولي الإنساني عند هذا الحد، بل تلاحقت كلما كانت هناك حاجة للتعديل والمراجعة.
أما اليوم، وبعد أن بلغ التطور في أساليب القتال ذروته، وتعقدت طرقه على نحو يصعب معه على العاملين في مجال مساعدة ضحايا النزاعات المسلحة القيام بعملهم الإنساني إلا تحت ضغط المخاطر، وخطر الهجمات العشوائية، التي لا تفرق بين المقاتلين وغير المقاتلين كان لا بد من دراسة أحكام القانون الدولي الإنساني، وبالذات تلك التي تتعلق بحماية الفرق والأعيان الطبية. ويجب التذكير في هذا المقام بأن أول اتفاقية لهذا القانون إنما وضعت بالأساس لحماية الجرحى والمرضى من العسكريين وكذلك حماية أفراد الفرق الطبية وأعيانهم الذين يقدمون الرعاية والعلاج لهؤلاء الجرحى والمرضى.
ولما كانت اتفاقيات جنيف، قد أكدت من خلال نصوصها على توفير الحماية والاحترام للفرق الطبية وأعيانها في فترة النزاع المسلح، فإن تطبيق هذه النصوص على ارض الواقع وبشكل جدي، يتطلب وجود آليات أو وسائل، تعمل على ضمان تطبيق هذه القواعد بشكل دقيق. ولذلك كان لزاماً على أطراف النزاع اتخاذ تدابير أو إجراءات معينة من شأنها تسهيل عمل الفرق الطبية في تلك الأجواء العصيبة، ولاسيما أن ظاهرة النزاعات المسلحة قد أصبحت من الظواهر المتكررة في عصرنا هذا. وعلى الرغم من ان الدول قد تعهدت عند تصديقها أو انضمامها إلى اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، بتطبيق هذه القواعد والعمل على احترامها ونشرها، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك. ونجد ان الفرق والأعيان الطبية في مقدمة فئات الأشخاص والمواقع المستهدفة في كل نزاع، هذا على الرغم من النداءات التي لا تلبث اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية من توجيهها، بغية تذكير اطراف كل نزاع مسلح بوجوب احترام العاملين في مجال تقديم الرعاية الطبية وتوفير سبل حمايتهم وحماية أعيانهم ومعداتهم. وفي وقت السلم، تبذل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كجزء من واجبها في نشر قواعد القانون الدولي الإنساني، جهداً كبيراً في نشر قواعد حماية الفرق والأعيان الطبية ليتسنى لكل الأطراف الاطلاع عليها وتطبيقها. ولكن ومع ذلك نجد في كل نزاع مسلح تقريباً، ونتيجة عدم الالتزام بتطبيق هذه القواعد من جانب اطراف النزاع، ان الفرق الطبية تتعرض إلى أضرار مباشرة ويلحق التدمير بالمنشآت والوحدات الطبية. إن عدم الالتزام بقواعد حماية الفرق والأعيان الطبية التي تكتسي أهمية بالغة ليس لضحايا النزاعات المسلحة، فحسب، بل لأطراف النزاع انفسهم، يدعوا إلى البحث في القواعد التي يمكن بمقتضاها إثارة مسؤولية الجهات أو الأشخاص التي تنسب إليها الأفعال التي تشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني ذات الصلة بحماية الفرق والأعيان الطبية.
Back